روى أن تاجر قماش ضاق بحياته؛ ولم يعد يرى في الحياة ما يستثيره ويستهويه، فدب الملل في نفسه وارتداه الضيق.. فأوصاه البعض بزيارة حكيم يقع قصره على بعد مسير 40 يوماً.. ذهب التاجر أملاً في أن يجد عند الحكيم ترياقاً لما في نفسه من ضجر ونفور من ملذات الحياة ومباهجها.. فلما وصل لقصر الحكيم هاله ما يعيش فيه من سعة وأبهة.. اقترب منه الحكيم وسأله - بانتباه- عن حاجته فلما عرفها هز رأسه قائلا «لا وقت لدي لأعلمك سر السعادة الآن؛ ولكني سأقترح عليك التالي: تمتع بجولة في قصري؛ ولك أن تشبِّر غرفه كيفما شئت؛ في المقابل أشترط عليك أن تمسك أثناء تجوالك بهذه المعلقة التي تحمل نقطتي زيت؛ على نحو لا ينسكب معه الزيت».
شرع التاجر في التجول في القصر الفخم، وكان يصعد وينزل السلالم الرخامية وعيناه مثبتتان، باستمرار، على المعلقة.. دخل بعض الغرف والردهات ولكنه سرعان ما ضجر واتخذ متكئاً منتظراً فراغ الحكيم من ضيوفه..
اقترب منه الحكيم متسائلاً: أتجولت في القصر بهذه السرعة!! تفحصت، في هذه العجالة، سجاجيدي الفارسية المعشقة بالحرير وفسيفساء غرفتي الاسبانية!! هل أعجبت بمكتبتي التي استغرق بناؤها 10 سنوات.. وماذا عن الرق الجميل في غرفة نومي.. وهل تأملت كل اللوحات الزيتية البديعة في قصري.. بهذه السرعة!!
بارتباك اعترف التاجر أنه لم ينتبه لكل هذا، فقد كانت عيناه طوال الوقت معلقتين على المعلقة، وما فيها من زيت.. خاطبه الحكيم هنا قائلاً ''لم تنتبه بالطبع لأنك كنت أسير رغبة واحدة وهدف واحد؛ الحفاظ على المعلقة وما فيها؛ ولذلك السبب بالذات ضجرت من التجوال سريعاً؛ لأنك لم تستطع أن ترى ما حولك من جمال وروعة''.
*****
كم واحداً منكم يا ترى قرأ في القصة أعلاه نفسه..؟
يسير في الحياة وعيناه على الترقية التي لم تأت.. وعلى نصفه الثاني الضائع وسط الزحام.. وعلى تنمية مدخراته وثروته.. وعلى أبنائه المتعثرين دراسيا.. وعلى كسر منافسيه ودهس مناوئيه.. وعلى امتلاك منزل.. وعلى الحفاظ على مكتسبات أو كرسي أو على أي من الأحلام والأماني والحاجيات، المهمة حتماً؛ ولكنها ليست مرادفاً للحياة كما يخالون.
للبشر أولوياتهم.. ولكنهم غالباً ما يخطأون في تقديرها وصياغتها والعلة لا تكمن هاهنا.. بل تكمن في أن البعض يدور في فلك جزئية ضيقة من حياته: شيء لم يأت، أو شيء يخاف ضياعه، أو شيء لم يوافق تطلعاته.. وعادة ما يورث ذلك في النفس الضجر.. فعندما يقضي المرء أيامه يفكر: كيف أخرج من طبقة اجتماعية لأخرى؟ كيف سأفقد الوزن الذي يثقل عظامي؟ ما عساي أن أفعل لأدفن صيت أعدائي -وغيرها من الهواجس التي تملأ فضاء البشر- يتحول المرء حينها لمستعمرة، والفكرة لمستعمر نزق.. عندئذ ينشغل المرء بالعيش عن الحياة ''والبون بين الاثنين شاسع لو تعلمون'' ويحول ذلك عادةً بين المرء وبين تلمس مواطن الجمال في الحياة..
في هذه الحياة - نقول- دائماً ما سيكون هناك شيء ناقص أو مفقود، ودائماً ما ستكون هناك أمنية مؤجلة.. وتركيز العين عليها وإغفال سواها لاشك عملية مضنية وغير مجدية.. وليست في النهاية سوى مدعاة للبؤس والضجر..
السبت أغسطس 21, 2010 2:53 am من طرف سندريلا
» وقفة عند سورة الفلق ((هام جداً))
الأحد أغسطس 08, 2010 9:39 pm من طرف نوجا
» aletter from alover تاليفي من 4 سنين
الأحد أغسطس 08, 2010 9:34 pm من طرف نوجا
» تعريف كرسي الاعتراف
الأحد أغسطس 08, 2010 9:32 pm من طرف نوجا
» قوانين كرسي الاعتراف
الأحد أغسطس 08, 2010 9:32 pm من طرف نوجا
» تعالوا نسجل حضورنا بنطق الشهادتين.....
الجمعة أغسطس 06, 2010 9:55 pm من طرف جنة الحب
» تعالوا نسجل حضورنا بالاستغفار يوميا.....
الجمعة أغسطس 06, 2010 9:53 pm من طرف جنة الحب
» صور لشهر رمضان الكريم
الجمعة أغسطس 06, 2010 7:20 pm من طرف Ramy
» نانووووووووووو
الجمعة أغسطس 06, 2010 1:01 am من طرف KokoOoOoo
» قصة حب فاشلة
الجمعة أغسطس 06, 2010 12:36 am من طرف KokoOoOoo